نشوء الزراعة في العراق القديم

نشوء الزراعة في العراق القديم

  وليد سعدي محمد الميالي

  جامعة المثنى كلية الاداب 

لعل اهم ما امتاز به تأريخ العراق هو شهرته في مجال الزراعة والتي طغت هذه الشهرة على باقي الحضارات الاخرى فضلا عن المميزات الاخرى الحضارية والسياسية وقد شبه الكثير من الكتاب القدماء العراق ببلاد الذهب والخير في اشارة الى المجال الزراعي في حين اطلق بعض المؤرخين مصطلح (ارض السواد)لكثرة اشجاره وامتداد اراضيه المزروعة.حدث الانتقال في العراق تدريجا من الصيد والعيش في الكهوف الى الزراعة والري والسكن في القرى عبر العصر الحجري الوسيط الذي بدأ في حدود الالف العاشر قبل الميلاد.وقد لعبت الزراعة دورا كبيرا في دفع الانسان الى تغيير اسلوب حياته من التنقل الدائم الى الاستقرار والسكن قرب الحقول فكانت الخطوة الاولى التي ادت الى تكوين مجتمعات صغيرة وقرى زراعية مؤقتة والتي اصبحت فيما بعد مدن كبيرة دائمة ادت بدورها الى ظهور التجارة ونضمها وشق مشاريع الارواء وظهور القيادة المركزية في مواجهة التحديات الجديدة التي تحتاجها الزراعة.

ان مايمتاز به العراق من ثروة مائية وفيرة بفضل نهري دجلة والفرات وخصوبة اراضيه كان لهما اثرهما الواضح في ظهور الزراعةوتطورها وهذا بدوره ادى الى زيادة عدد السكان زيادة كبيرة فنمت المجتمعات القروية واتحدت فيها العوائل لضمان محصول وفير وكان لأنتشار الزراعة في هذه المناطق اثره في تغيير نمط الانسان في تلك العصور وان اولى التأثيرات هي تدجين الحيوانات التي استعملها لمساعدته في الزراعة,فضلا عن تطويره لأدوات حجرية جديدة استعملت مع ادواته السابقة اذ عرفت المعازق والمحاريث وابتكر صناعات جديدة اعتمدت على النباتات التي توصل الى زراعتها.

العمليات الزراعية

ذكرت الوثيقة المسمارية المعروفة بأرشادات الفلاح لأبنه الاعمال الزراعية التي يتوجب على الفلاح انجازها لغرض الحصول على منتوج وفير وجيد ابتدأ من تحضير الارض الى حصاد المحصول ونقله الى المخازن وفي مايأتي اهم تلك العمليات الزراعية التي يقوم بها المزارع:

1.غمرالحقل

قبل البدأ بأعمال حرث التربة يجب على الفلاح ان يقوم بترطيب الحقل وذلك لغرض تسهيل عملية قلع الاعشاب الضارة وتخليص الحقل منها.

2.العزق والحرث

بعد ان تكون الارض قد تخلصت من الاعشاب الضارة تبدأ عملية العزق والحرث والعزق يعني قلب التربة وذلك بأستخدام المسحاة وهي على نوعين منها تستعمل للمساحات والحقول الصغيرة والاخرى تخص الحقول الكبيرة والمساحات الواسعة وعادة ما تبدأ اعمال الحرث في الشهر الثالث وقد جاء ت العديد من النقوش على الاختام تمثل مشاهد الحرث.

3.سلف الحقل

وتتم عملية سلف الحقل قبل الشهر السادس وتنجز بالمسلفة وهي عبارة عن دعامة خشبية ثقيلة يتم جرها على سطح الحقل المحروث لتفتيت الكتل الترابية المتبقية وتسوية سطح الحقل بشكل جيد.

4.البذار

تتبع عملية سلف التربة شق الاخاديد لغرض وضع البذور وتبدأ اعمال البذار في الشهر السادس وتستمر الى الشهر السابع واولها عمل الحفر لوضع البذور وتتم هذه العملية بأستخدام اداة خشبية.

5.الحصاد

وتعني حصد او جني المحصول بالمنجل وعملية الحصاد هي تكديس المحصول من الحبوب مع سيقانه ويحدد وقتها بحدود الشهر الثاني عشر وتستمر الى الشهر الاول من العام القادم.

6.اعمال الدرس

تعني عمل الدراسة فصل القشورعن الحبوب لكي تكون جاهزة للطعام او الخزن لحين الحاجة اليها وتتم هذه العملية بين الشهر الثالث وتستمر حتى الشهر الخامس بعد ان تكون الغلة قد        جمعت وكدست في المكان المخصص لها.

7.التذرية

وهي المرحلة قبل الاخيرة في الاعمال الزراعية و الغرض منها ابعاد القشور بعد فصلها عن الحبوب وتحدث في الهواء الطلق حيث تتطاير القشور بواسطة المسحاة ولاتزال هذه الطريقة مستخدمة في الوقت الحاضر.

انواع المحاصيل

لقد زودتنا الوثائق المسمارية بأسماء العديد من النباتات والمحاصيل الزراعية والحديث عنها طويل لايسعنا الخوض في جميع الانواع وسيقتصرالبحث على دراسة اهم هذه الانواع.

الحبوب

تعد الحبوب وبشكل خاص الحنطة والشعير اساس الحضارة في الشرق الادنى القديم وقد اثبتت الدلائل والمخلفات الاثرية على ان العراق وبالاخص القسم الشمالي منه هو الموطن الاول للزراعة القمح والشعير.

كان الشعير من اهم المواد التي تدفع للعمال كأجور وكذلك استخدم كبذور فضلا عن استخدامه كعلف للحيوانات وقد دخل الشعير في صناعة الجعة والخبز واستخدم كذلك لأغراض المقايضة.

اما الحنطة فقد استخدمت كأجور للعمال وكذلك قدمت كهدايا وقرابين للألهة حيث صورت المشاهد الفنية سنابل القمح والشعير مع الالهة على الاواني النذرية والاختام الاسطوانية وكانت الحنطة على نوعين منها الرديء والخشن.

اما الرز فيبدو ان زراعته لم تكن معروفة منذ البداية وعلى الارجح انها بدأت في اواخر العصر البابلي القديم(2004-1595)ق.م.

وفيما يخص السمسم والذي يعد من المحاصيل المهمة بعد الشعير والحنطة,كانت زراعته مرغوبة وهو معروف بمقاومته للجفاف وتحمل درجات الحرارة العالية التي يمتاز بها مناخ العراق, وقد اشتهرت زراعته في بلاد سومر وبابل وكانت تجارة السمسم رائجة ومربحة وهو على عدة اصناف منها الابيض والاصفر والبني والاسود.

ومن المحاصيل الاخرى والتي عكف الانسان القديم على زراعتهاوالتي لايسعنا المجال لذكرها بالتفصيل ومنها الذرة والشوفان والدخن والعدس والحمص فضلا عن زراعة الخضروات وغيرها من الاصناف الاخرى التي عرفها الفلاح القديم.

المبحث الثاني

أهمية الثروة الحيوانية في الزراعة

أن الزراعة وتربية الحيوان عمليتان متلازمتان تكمل أحداهما الأخرى ومنذ زمن مبكر رافق نشوء الزراعة في العراق القديم عملية تدجين الحيوان ولعل أول الحيوانات التي دجنت هي حيوانات الصيد والتي يحتمل ان تكون قد دجنت لأغراض استئناس الحيوان قبل كل شيء ثم جاءت عملية تدجينه للأغرض الاقتصادية بعد ذلك.

لم يقتصر اهتمام الانسان بالحيوان على الاستفادة من لحمه بل ثمة فوائد عديدة استفاد منها في تربية الحيوان ومنها الحصول على الحليب في كل ايام السنة او الاستفادة منه في العمليات الزراعية من نقل وحرث وغيرها من الاعمال الاخرى.

يحدد تاريخ عملية تدجين الماشية قبل منتصف الالف الرابع قبل الميلاد اوربما بعد هذا التاريخ بقليل حيث عثر على بقايا عظام ماشية مدجنة في العراق وايران وفي النقوش ظهرت الماشية على الاختام الاسطوانية التي عثر عليها في مدن سومرية مختلفة وهذا يشير الى اهميتها والدور الذي لعبته في حضارة العرق القديم.

ان اكتشاف الزراعة احدث تطورا في علاقة الانسان بالحيوان واصبحت العلاقة بينهما على اساس المصلحة المتبادلة,اذ يقوم الحيوان بمساعدة الانسان في عمليات الزراعة  من نقل وحرث وغيرها مقابل مايقدمه الانسان له من طعام من تلك الاراضي المزروعة.

الحيوانات التي تستخدم في العمليات الزراعية

كانت الابقار والاغنام والماعز والحمير تشكل عنصرا” مهما” في الاقتصاد سواء للحمها ام حليبها ومشتقاتها أم لأستعمالها في النقل واعمال الحقل.وقد ذكرت الوثيقة السومرية المعروفة بـ(ارشادات الفلاح)بأطلاق ثيران منعلة لسحق الحقل والتنبيه الى العناية بالنيروالاجزاء الاخرى من عدة حيوانات الجر ويجب ان يكون لدى كل حارث ثور احتياطي مع كل زوجين اثنين من الثيران وقد لاحظ الفلاح القديم فرق الجهد والوقت بين الحراثة بالحيوانات عن مثيلتها الحراثة اليدوية,اذ كانت الحراثة بحيوانات الجر تنتج نحو 400بالمائة زيادة في الانتاجية مقابل الارض المحروثة بيد الانسان ويعتقد بعض الباحثين ان استعمال المحراث وحيوانات الجر يمثل نهضة زراعية ثانية ذات اهمية مساوية لبدء التدجين نفسه.

وفيما يخص استعمال الحيوانات في الجانب الزراعي فقد عمد الانسان الى اشراكها معه في العمل لتخفيف اعبائه حيث ذكرت النصوص المسمارية استعمال الحمير والبغال والابقار في الحرث والحمل وغيرها من الاعمال الاخرى و قد جاءتنا الواح تحمل صورا” لثيران وهي تجر محراثا” الى جانب بعض طبعات الاختام التي تصور لنا نفس المشاهد والتي ترجع بتأريخها الى عصر فجر السلالات والفترات اللاحقة.

لقد تكونت في العراق القديم ادارات ومؤسسات حكومية تهتم بالثروة الحيوانية ومنها مؤسسةدريهم لتجميع الماشية والتي كانت من اكبر المؤسسات الحكومية لتربية الماشية والاغنام تلك التي تعود الى سلالة اور الثالثة(2112-2004)ق.م وتمت بالاشراف المباشر من قبل الملك

اذ نالت هذه المؤسسة شهرة واسعة لدورها البارز في الحياة الاقتصادية لدولة اور الثالثة.

اما القوانين العراقية القديمة فقد حمت الحيوانات ومنها قانون لبت-عشتار وقانون حمورابي,حيث فرضت الغرامات على من يسبب الحاق الضرر بالثيران المؤجرة للعمل الزراعي وكانت الغرامات تختلف بأختلاف الضرر.

ان ذكر الحيوانات بمواد خاصة في القوانين العراقية القديمة فضلا” عن تأسيس مؤسسات تختص بشؤون الحيوانات وتجميعها مثل مؤسسةدريهم لتجميع الماشية,كل هذا يشير الى مدى اهتمام ملوك العراق القديم بالثروة الحيوانية كونها ساهمت في تحسين الانتاج الزراعي بشكل خاص والاقتصادي بشكل عام لما يشكله هذا القطاع من ثروة اقتصادية كبيرة.